تتوالى آثار الثورة المعلوماتية على مجتمعاتنا تباعا بتفريخها قنوات فضائية ومواقع إلكترونية على كل شكل ولون، الأمر الذي جعلنا نعيش أحداث العالم ظاهرها وباطنها ونحن في بيوتنا.
ومن المعلوم أن الإعلام اليوم بات أحد الأنظمة الأساسية في بناء المجتمع، ينطلق من منطلقه ويتوجه بتوجهه ويستجيب لمتطلباته في الحياة، وهو في المجمل مؤثر ومتأثر بالأنظمة الأخرى.
وليس غريبا أن يقدم الإعلام بوسائله المختلفة رؤية شمولية ومتكاملة لبناء شعوب نقية عفيفة كريمة، تدين بشرع الله باعتباره مرجعية متكاملة لمتطلبات الحياة.
ولعل حيوية أي نظام إعلامي تتوقف على مدى الثقة به، ويظهر هذا في معايشة الحراك الاجتماعي، والتعرف على احتياجات الناس والاستجابة لرغباتهم في الخير والاستقامة والانسجام مع فطرتهم الطاهرة، والتعبير عما يجول في خواطرهم ونفوسهم بصدق وأمانة، وليس تزلفا وابتزازا ونفاقا من أجل التجارة المتربحة.
ومن الملاحظ انتشار الفضائيات المتخصصة بشكل غير مسبوق في مختلف المجالات، حتى باتت السوق مفتوحة لمن أراد الخير أو أراد الشر، ومع ذلك نجد ثلة من بني جلدتنا ممن يسمون «رواد الثقافة والفكر» يخوضون في القنوات الهادفة والنافعة بدعوى مذهبيتها وسلبيتها، في الوقت الذي يتناسون فيه خطورة الكلمة والقلم، وضرورة الجهاد الفكري والثقافي الحقيقي.
ويمكن القول إن معظم البرامج التلفزيونية تركز على القضايا المثيرة حتى وإن كانت سطحية ولا تعود بأي فائدة أو نفع، وبالتالي نتيقن أن وظيفة الإعلام انحرفت عن أهدافها الحقيقية وبات المال معيار التحكم في أي عمل في هذا المجال، باعتبار أن رغبات الجمهور الشهوانية هي التي تجلب الربح الوفير والمكسب الرخيص.
ما نراه على الساحة الإعلامية يتطلب التفكير جديا في كيفية دعم الأعمال الهادفة والمسؤولة، وإن كان فيها تقصير، إذ إن إصلاح الخلل أفضل من ترك المجال كله أمام من لا يراعون الله في توعية المجتمع بما لا يليق بقيمه وعاداته وتقاليده وأعرافه، وذلك من خلال إعداد الشباب المبدع والناضج فكريا وعلميا، إعدادا يجمع بين تراثنا وثقافة العصر ومتطلبات التقنية الحديثة.
وينبغي الأخذ في الاعتبار أن الجهاد نوعان: جهاد مدني، وجهاد عسكري، فالجهاد المدني يشمل المجالات: الإعلامي والعلمي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والتربوي والصحي والطبي والبيئي والحضاري .. وهو ما نحن في حاجة ماسة إليه اليوم.
وتتمحور فكرة هذا النوع من الجهاد في بذل الجهد من أجل تعليم الجاهل، وتهذيب السلوك، وتنوير العقول، وتشكيل الآراء وفق منهج الوسطية، باعتباره منهاجنا في الدعوة والتعليم والإفتاء والبحث والإصلاح والتجديد.
إن حراكنا الاجتماعي في حاجة ماسة للتجديد والإصلاح في المنظومة الإعلامية المترهلة بالفساد الأخلاقي الرهيب وفق مقتضيات الواقع، مع استشعار رسالة الكلمة الصادقة النابعة من القلب النقي إلى القلب الفطري، ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان هناك رجال مخلصون سخروا حياتهم لتقديم إعلام هادف مسؤول قادر على خدمة مجتمعاتنا بما يليق بمرجعية ديننا الحنيف.
فلنجتهد في خدمة عصرنا كما اجتهد غيرنا ممن لا دين لهم ولا ملة في البقاع الأخرى، ولنفهم نفوس شعوبنا واحتياجاتها، ولنشدد في الأصول ونيسر في الفروع، ولنتلمس الحكمة من أي وعاء خرجت.
للفائدة مما قرأت مع خالص تحياتي للجميع