قرأت اليوم سورة إبراهيم ، فلما وصلت إلى قوله تعالى : " وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) " تحرك شيطان الجن فقال :
كيف تصدق أنه – سبحانه – آتاكم من كل ما سألتموه ؟ وأنت تعيش حياة مستورة ليس لك فيها كثير مال ، ولم تحظَ من الشهرة ما وصل إليه غيرك؟ وفيك من القدرات العلمية ما يفوق كثيراً ممن تجدهم متصدرين ، وما يزال عطاؤك مستمراً ؟ ... وبدأ يحاول زرع الشك في نفسي – أعانني الله على وسوساته ونفثاته – ويأتيني بصورة المشفق عليّ وهيئة الناصح الصدوق .
قلت والله لأخزينّك بعونه تعالى ، ولن تجد في قلبي سوى الإيمان بالله تعالى وحبه والرضا بقدره ، والرغبة الصادقة أن أكون من عباده الصالحين المؤمنين به وبدينه ، أتعلق بأستاره وألزم راية نبيه ، ولن تجد عندي سوى الإعراض عن وسوساتك ونفثاتك ، وقرأت المعوّذتين ، وقمت إلى تفاسير القرآن أرتوي من شهدها ما يطرد علقم الشيطان ويزرع الإيمان في نفسي ويقوّيه . وإلى أحاديث الحبيب المصطفى أستلهم الفكر السليم والجواب الشافي .
روى ابو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من دعا بدعوة ليس فيها مأثم ولا قطيعة رحمٍ أعطاه الله تبارك وتعالى إحدى ثلاث إما أن يغفر له بها ذنباً قد سلف وإما أن يعجل له بها في الدنيا وإما أن يدخرها له في الآخرة ."
قلت والله هذا ما أراه في حياتي ، فما دعوت الله تعالى في أمر ذي بال إلا حققه لي أو شعرت براحة في نفسي وزالت همومي ، ولتكونن الثالثة في الآخرة محققة إن شاء الله تعالى .
وأفتح ظلال الشهيد سيد قطب رحمه الله فينشرح صدري بقوله : " وآتاكم من كل ما سألتموه " من مال وذرية وصحة وزينة ومتاع .. " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " فهي أكبر من أن يحصيها فريق من البشر ، أو كل البشر ، وكلهم محدودون بين حدّين من الزمان : بدء ونهاية . وبحدود من العلم تابعة لحدود الزمان والمكان ، ونِعَمُ الله مطلقة – فوق كثرتها – فلا يحيط بها إدراك إنسان . .. " ثم يعدد بعض النعم من شمس وقمر وماء وأنهار ونبات وأشجار وأنعام ، كلها سخرت للإنسان ولخدمته ، وجعله سيداً لها . ويقول سيدٌ كذلك بلسان المؤمن وقلبه الحي: " أفكل هذا مسخر للإنسان ؟ أفكل هذا الكون الهائل مسخر لذلك المخلوق الصغير؟ السماوات ينزل منها الماء والأرض تتلقاه ، والثمرات تخرج من بينهما ، والبحر تجري فيه الفُلْك بأمر الله مُسَخّرة والأنهار تجري بالحياة والأرزاق في مصلحة الإنسان ، والشمس والقمر دائبان لا يفتران ، والليل والنهار يتعاقبان ... أفكل ذلك للإنسان ؟ ثم لا يشكر ولا يذكر! . "
وأقرأ مثل هذا وشبيهه عند القرطبي وابن كثير رحمهما الله ، فأردد بلساني وبقلبي : نعم آتانا من كل ما سألناه ، فله الحمد وله الشكر دائمين دائبين . ومما قرأته في تفسيري هذين الكريمين رحمهما الله تعالى :
-أن داوود عليه السلام أنه قال : أي رب كيف أشكرك , وشكري لك نعمة مجددة منك علي . قال : يا داود الآن شكرتني .
-يقول ابن كثير : فحقيقة الشكر على هذا الاعترافُ بالنعمة للمنعم . وألا يصرفها في غير طاعته