لقد أَمَرَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم بالإكثار مِن ذِكْر الموتِ، فقال عليه الصّلاة والسّلام: ''أكثِـرُوا ذِكْر هادِمُ اللّذات'' رواه الترمذي.
قال الإمام القرطبي: (قال علماؤنا: قوله عليه السّلام ''أكثـروا ذكر هادم اللذات'' كلام مختصر وجيز، وقد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة، فإنّ مَن ذَكَرَ الموت حقيقة ذِكْرِه نغَّصَ عليه لذَّتَهُ الحاضرة، ومَنَعَهُ مِن تَمَنِّيها في المستقبل، وزَهَّدَهُ فيما كان منها يُؤْمَل، ولكِنّ النُّفوس الرّاكدة، والقلوب الغافلة، تحتاج إلى تطويل الوعاظ، وتزويق الألفاظ، وإلاّ ففي قوله عليه الصّلاة والسّلام ''أكثروا ذكر هادم اللّذات'' مع قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} آل عمران:185، ما يكفي السامع له، ويشغل الناظر فيه.
والموت من أعظم المصائب، وقد سمَّاهُ الله تعالى مصيبة في قوله سبحانه: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} المائدة: .106
يُروَى أنّ أعرابيًا كان يسير على جمل لَهُ، فخَرَّ الجمل ميِّتًا، فنَزَل الأعرابي عنه، وجعل يطوف به ويتفكّر فيه، ويقول: ما لك لا تقوم؟ مالك لا تنبعث؟ هذه أعضاؤك كاملة، وجوارحك سالمة، ما شأنك؟ ما الّذي كان يحملك؟ ما الّذي صرعك؟ ما الّذي عن الحركة منعك؟ ثُمّ تركه وانصرف متعجبًا من أمره، متفكّرًا في شأنه..
قال المُربي عليّ الطنطاوي رحمه الله: فاذكروا الموت لتستعينوا بِذِكْرِه على مطامع نفوسكم، وقسوة قلوبكم، اذكروه لتكونوا أرَقَّ قلبًا وأكرَمَ يَدًا، وأقبل للموعظة، وأدنى إلى الإيمان، اذكروه لتستعدوا له، فإنّ الدنيا كفندق نزلتَ فيه، أنتَ في كلّ لحظة مدعو للسّفر، لا تدري مَتَى تُدْعَى، فإذا كنتَ مُستعدًا: حقائبك مغلقة وأشياؤك مربوطة لبيت وسرت، وإن كانت ثيابك مفرقة، وحقائبك مفتوحة، ذهبتَ بلا زاد ولا ثياب، فاستَعِدُّوا للموت بالتوبة الّتي تصفّي حسابكم مع الله، وأداء الحقوق، ودفع المظالم، لتُصَفُّوا حسابكم مع النّاس.