بسم الله الرحمن الرحيم |
ماذا صنعنا نحن؟ صوتٌ نديٌ عـذب هو أشبه بموسيقا رائعة ، تعلو حينا وتـخـفـت حينا ً آخر . يتسلل كخريـر الماء في تعاريج الصخور ، فيصل إلى الأسماع يجذبها إليه ، فـترحل الأسماعُ إليه دون عابئة بنداء القـلب أو كثرة الأصوات حولها . فلا تكاد في - زحمة الأصوات - أن تسمع إلا هـو أو تـرغـب إلا فيه . يصل ذلك الصوت إلى القلب فتــُـفتح رياضُه دونما استئذان ، فيجد تلك الرياضَ الخضراء الوارفة قد أصبحت مرتعا ً للوساوس والهواجس ، فهي عالقة بين أشجاره وعلى ضفافه ، تحاول أن تـنخر ما اشتد وتأكلَ ما لان ورطب . تأتي على الأوراق اليانعة الخضراء فتجعلها كالغربال ، وتصيب الجذوع القوية فتـجعلها هشة نخرة تـتـفـتـت من لمسة وتـتطايـر من نسمة . وتحط على الضفاف الصافية تعكرها أو تميل بمجراها ذات اليمين وذات الشمال . يصل ذلك الصوت الشجي كالنور إلى القلب ، فـتـفزع الوساوس والهواجس وتـفـر من تلك الرياض فيحل محلها ويكون بمثابة الروح التي تعيد لتلك الرياض بهجتها ونضارتها . إنه صوت القرآن الكريم الذي يجذب الأسماع ويستولي على الأفئدة ، فإذا تمكن من القلب فملأ ما بيـن أركانه وتربع على عرشه سما بصاحبه إلى أعلى الدرجات . سمعت ذلك الصوت الشجي وكأنه يناديني إليه ، اقـتـربت أكـثر من مصدره ، فرأيت رجلا ً أسمر اللون ، طويل الشعر جميله ، ذا سحنة هندية ، يكاد النور أن ينـبثـق من وجهه الأسمر ، حيـيـته فردَّ عليَّ بأحسنَ منها ، حدثـتـه بلغة القرآن فلم يفـقه حرفا واحدا ً ، إنه لا يتكلم العربية فوقـر في نفسي الشئ الكثيـر . هذا الذي كان يتـلو أفصح الكلام وأبلغ الكلام لا يفـقه حرفا واحدا ً . إنه غير عربي ، إنه مسلم من بلاد البنغال ، تلك البلاد التي تبعد عن جزيرة العرب آلاف الأميال ، التـقـيت به في هذه البلاد ( أمريكا ) التي يفصل بينها وبيـن بلاد العرب البحار والقارات . رجلٌ من أقصى الشرق في أقصى الغـرب يتـلو كتاب الله ويتـرنم بآياته ، تكاد كلمات القرآن حين ينطقها تـتطايـر صورا ً ومعانيا ً من خلال نبـراته وسكناته ، تستـقـر في النفس لا تحتاج إلى إيضاح أو تـفسير . نظرت من حولي وأنا أتصفح الوجوه فلم أر إلا وجوها كافرة مشركة لا تعرف ربا ً ولا نبـيا ً ، فأخذتني نظرة يأس كدت أسقط منها ، ونظرت إلى صاحبي فأخذتني نظرة تـفاؤل كدت أطير معها ، ونظرت إلى نفسي فأخذتـني نظرة عتاب كادت أن تـقطع نياط قلبي ، لماذا لا نصنع من هؤلاء الكفرة ناسا ً مسلمين ؟ ألم يكن هو وقومه من قبل مثـل هؤلاء فصنع منهم أجدادنا ناسا ً مسلمين ؟ فماذا صنعنا نحن للإسلام في هذه البلاد ؟ أطلقت نهدة عميقة أفـرغت معها بعضا ً من الأسى الذي يملأ قلبي ، وعدت بنظري إلى الوراء البعيد ، فـرأيت جزيرة العرب صحراء قاحلة ، تصبغها الجاهلية بسوادها المظلم فلا تكاد ترى طريقا ً أو تـلمس هدى ، ثم رأيت تلك الشمعة الصغيرة تـثـقـب سواد تلك الحياة بشعاعها المتواضع ، ورأيت ذلك الشعاع المولود قد بدأ يومض بريقا ً ، ورأيت ذلك البريـق يتـلألأ نورا ً ، ورأيت ذلك النور ينداح في عـُرض الجزيرة ، وتـتسع دائرته أكثـر فأكثـر حتى رأيت به مدائن كسرى وقصور فارس وطريـق الحرير ورأيته يمتطي سور الصين العظيم وتكتمل إِشراقته على بلاد المشرق كلها . ثم رأيته يُـغـَـرِّب - ولم يغرب – فـرأيت نخيل العرب ترفع هاماتـِها فوق مروج الأندلس ، ورأيت القبابَ البيضاء و المنائر الشامخة تشع بنورها الروحاني وتصدح بندائها العلوي في أشبيلية وغرناطة ، فـتصل أشعة نورها ويتردد صدى ندائها في أوربا كلها حتى يبلغ جنوب باريس . إنه الإسلام الذي سرى كما تسري أشعة الشمس والقمر ، هكذا بدأ برسول الله وحده وها عدد المسلمين اليوم يفوق المليار والربع ، ثم تساءلت ما الذي سرى بالإسلام إلى كل تلك البلاد ؟ فأسَرَ القلوب والنفوس ، وأسلم الخلائقَ لرب واحد . هل هو السيف والإكراه هما من صنعا ذلك ؟ إن السيف لا يخلف حياة والإكراه لا يولد رضا ، لكن مبادئ الإسلام من سماحة وعدل وإخاء وحرية وتكافل وروحانية ، كل ذلك هو الذي سكن في قلوبهم وأسر أفئدتهم فولـَّد حياة ً كريمة وطمأنينة ، أما السيف فما كان إلا للذود والدفاع وما كان للقـسر والإكراه . ثم ذكرت أولئك الرجال الذين حملوا تلك المبادئ فكانوا مصابيح هدى وحملة رسالة ، تذكرت كيف أن اليمني كان يذهب تاجـرا ً بـِعـِنـَبـِه وزبـيبـه إلى تلك البلاد فـيـبني مسجدا ً ويقيم دولة . والشامي يذهب تاجرا ً بزيـتونه وبَلـَحِـه فـيـبني مسجدا ً ويقيم دولة . والمصري يذهب تاجرا ً بقطنه وكـُتـَّانِه فـيـبني مسجدا ً ويقيم دولة لقد ضربوا بمعاملاتهم وأخلاقهم التي استـقوها من تعاليم الإسلام مُـثلا ً عليا أينما يمَّموا وجوههم ، فـتوارد الناس عليهم أفواجا ً كما تـتوارد على الماء أسرابُ الطيور الظامئة ، ودخلوا في حضيرة الإسلام ، فكانت دولة أندونيسيا المسلمة ودولة بنجلاديش المسلمة وماليزيا المسلمة وباكستان و... الخ ، وأحب هؤلاء الإسلام أكثـر من حبهم أنفسهم وأعطوه أكثـر مما أعطوا أنفسهم . ثم عدت بنظري سريعا ً من ذلك الماضي البعيد إلى الحاضر القريب ، نظرت إلى نفسي ومن هم حولي في هذه البلاد وأنا أتساءل ماذا صنعنا للإسلام هنا ؟ وألقى الجوابَ حاضرا ً على لسان البيئة التي أنا فيها والمجتمع الذي أعيش فيه ، إننا لم نصنع شيئا ًللإسلام ! لم يزد عدد المسلمين في كل سنة إلا بعدد الأصابع ، وربما كان من ينسلخ عن الإسلام أكثر ممن يدخلون فيه ! وهذه حقيقة مـُرَّة يجب أن نؤمن بها دون مكابرة . إننا نكاد أن نذوب في هذا المجتمع أمام طوفان المغريات والشهوات ، وأمواج المادة والنـزوات ورياح الحرية الزائفة التي تـقـتلع المبادئ والقيم فما تدع من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم . فمتى نستشعر من نحن ؟ وما رسالتنا ؟ إننا مسلمون ورسالتـنا سماوية سامية عالمية ما عُرضت على أحد عَـرضا ً صحيحا ً إلا أخذت بتلابيب قلبه ومجامع روحه ، وسمت به إلى عالم أرقى وأشرف مما هو فيه . فلماذا لا نعرضها صافية نقية دون خوف أو خجل ؟ لماذا لا نمثل الإسلام تمثيلا ً يلـيـق به وينـبثـق من مبادئه ؟ لماذا لا نكون مثل أجدادنا فنضيف إلى العالم دولة إسلامية جديدة هي دولة أمريكا الإسلامية ؟ إن ذلك ليس على الله بعزيـز إن صلحت النوايا وصـدقـتها الأفعال . يحي عبد القاد |
الموضوع : ماذا صنعنا نحن /للكاتي /يحيى عبد القادر الشميري المصدر : منتديات شمير الكاتب: حيدرجميل الشميري
توقيع العضو : حيدرجميل الشميري |