ما أجمل صباح «عتمة» تلك المديرية التي استحقت عن جدارة لقب المحمية الطبيعية لجمالها الخلاب.. عندما تفترش بساطها الأخضر الذي تكتسي به جبال وسهول وأركان المنطقة لاستقبال أشعة الشمس إيذاناً بميلاد يوم جديد تمتزج فيه مفردات الطبيعة لتعطيك لوحة استثنائية وفريدة من الجمال الرائع قد لاتجدها في مكانٍ آخر ..
وأروع من ذلك مايتميز به مجتمعها من طيبة ودماثة وأخلاق عالية وهي ميزة استرعت انتباه «صمصام» الذي فضل العيش والاستقرار والتوغل في نسيج هذا المجتمع على الرغم من أنه من منطقة بعيدة ونائية من محافظة شبوة.
وبلغ بهم الاحتفاء حداً دفع البعض منهم إلى مصاهرته وتزويجه احدى فتياتهم وهو أمر مألوف خاصة بين أبناء الوطن الواحد لكنه يحمل دلالاته الواضحة في المنزلة التي احتلها «الصمصام» في قلوب كل من عرفه وهو بدوره لم يكن يبخل على مساعدة معارفه من البسطاء وقت الملمات الخاصة أو العامة وهي صفة أهلته كي يصبح واحداً منهم حتى أن زيجاته المتعددة والتي بلغت أربعاً لم تؤثر على تلك المكانة وكان يرجعها البعض إلى مقدرته المالية اللافتة فالرجل مغترب منذُ سنوات في احدى دول الجوار الخليجية وكم كانت عودته تثير اهتمام الكثير وبالذات تلك الأسر التي كان يتعهدها ولو بالابتسامة.
«الصمصام» الذي يسبح في بحر الخمسينات من العمر لم يرزق من زيجاته المتكررة بأولاد وظن الكثير أنه «عنين» فقد كانت أمنيته أن يرزق ولو بولد واحد أوحتى بنت لايهم المهم أن يرى طفلاً يدب على وجه الأرض من نسله.
وحين كانت تمر السنون كان يسرُ إليه بعض أصدقائه بأن يخضع نفسه لفحوصات طبية ولو في الخارج نظراً لقدرته المالية وربما يحصل على علاج يحقق هدفه الأسمى لكنه سرعان مايجيب بالقول: إن الفحوصات الطبية تؤكد أنه سليم وأن الخلل ربما يكون في احدى زوجاته لكنه وحفاظاً على شعور زوجاته لايعزم على اخضاعهن للفحوصات وتوفير العلاج إن أمكن ولكنها ارادة الله وحكمته فثلاث زوجات عاقرات.. رغم أنهن من أسر مختلفة شيء عجيب ولايمتلك سوى الانتظار لعل الله ينزل معجزته في احداهن غير أن الأصدقاء لايلبثون يصرون على أن يتزوج الرابعة والتي لاتلبث معه سوى أشهر ليطلقها محتفظاً بالثلاث الموجودات اعتباراً للعشرة الطويلة حتى أن هذا الباب فتح له فرصة زواج متكرر أكثر لأن حجته واضحة وضوح الشمس وكان يعقد كل زيجه كلما عاد من اغترابه.. الذي قد يستمر 6أشهر تزداد قليلاً أو تنقص قليلاً وفي أحدالأيام انفجر خلاف حاد بين طرفين من أبناء عمومة واحدة في المنطقة وكان لهذا الخلاف صداه الذي بلغ الآفاق كون الطرفان ينتميان إلى أسرة مشيخية كبيرة لها مكانتها وسطوتها وكان يخشى الناس من أن توسع هذا الخلاف قد تكون نتائجه باهظة قد لاتقف عند سفك الدماء والدخول في دوامة من الثارات التي قد تستمر إلى ماشاء الله والأمثلة كثيرة على ذلك وفي خضم هذه الارهاصات ساور الشك أحد الأطراف المتنازعة بضلوع «الصمصام» في دعم الطرف الآخر بغرض الايقاع بينهما واثارة الفتنة وازداد هذا الاعتقاد رسوخاً ارتباطه القوي بشخصية كبيرة كثيراً ما كانت تجمعهم ساعات المقيل شبه اليومية وحتى ساعات متأخرة من الليل فقرروا تحرير شكوى إلى ادارة أمن المديرية من تحركات «الصمصام» مؤكدين ضلوع «الصمصام» في اثارة الحزازات ونكئ الجراح بين أبناء العمومة الواحدة.
ادارة الأمن بدورها وكإجراء احترازي استدعت المشكو به وسألته عن مدى صحة مانسب إليه في الشكوى لكنه وبطبيعة الحال نفى أي صلة له بتلك المشاكل والخلافات التي لاتعنيه أبداً وكل مايربطه بتلك الشخصية هو أواصر صداقة قديمة والكل يعرف ذلك ولإقفال محضر التحقيق الذي أجري مع «الصمصام» طلب مدير الأمن حينها الرائد أحمد الرزاقي البطاقة الشخصية أوالعائلية التي تثبت هوية المشكو به لكن «الصمصام» اعتذر لأنها غير موجودة بحوزته في ذلك الوقت فهو شخص معروف بين أهالي المنطقة وبدون هوية غير أن مدير الأمن أصر على احضار مايثبت هويته وازداد ذلك الاصرار عندما لاحظ الرزاقي القلق الواضح على قسمات المشكو به من هذه المسألة وبالذات أن الاشكالية لاتستحق الهلع والتغير على وجه «الصمصام» فأحس أن هناك شيئاً يخفيه هذا الرجل.
وتحت الضغط المستمر ورفض جميع المحاولات التي قامت بها شخصيات عديدة من أهالي المنطقة.. طلب «الصمصام» بكلمة على انفراد وكان له ماأراد..!! وماهي إلا لحظات حتى غمرت رجل الأمن الدهشة وهو يستمع إلى اعترافات الصمصام فالرجل ليس من شبوة.
كما صور ذلك للناس بل هو من وصاب العالي.. وقد غير اسمه لكنه لم يتمكن من تغيير هويته بموجب وثائق ولو مزورة والسبب أنه مطلوب أمنياً منذ عدة سنوات نظراً لارتكابه مذبحة في قريته ذهب ضحيتها «رجل وامرأتان» في وقت واحد قبل أن يلوذ بالفرار والاستقرار هو وأسرته التي استدعاها لاحقاً وبصورة سرية في دار سعد محافظة عدن وكان يغترب في السعودية عن طريق التهريب لأن وثائقه سرعان ما تكشفه لذلك كان يحرص على اخفائها بصورة مستمرة.
وعن الدوافع الحقيقية وراء ارتكاب شخص مثل «الصمصام» تلك المذبحة التي يندى لها الجبين يقول: إن حالته المادية حينذاك لم تكن على مايرام وكان يواجه ظروفاً قاسية كانت تزداد سوءاً كلما كبر أولاده الخمسة حتى أن حالة نفسية كادت أن تعصف به لذلك كان كثيراً ما يحمل السلاح المكون من بندقية آلي ومسدس وحزام يحمل القنابل وخزينة للذخيرة.
وذات مساء حل عليه ثلاثة من أصهاره ضيوفاً وهم من قرية لاتبعد كثيراً عن قريته فأخذ نفسه وتوجه نحو«قاسم» الذي يمتلك بقالة صغيرة في القرية لبيع المواد الغذائية واسطوانات الغاز وطلب منه أن يعطيه علبة فول وبعض التوابع وحين حان وقت الحساب استشاط«الصمصام» غضباً عندما اكتشف أن عشرين ريالاً زادت في سعر العلبة عن السعر المعتاد الأمر الذي أدى إلى حدوث مشادة كلامية تخللتها كلمات جارحة ربما من الطرفين.. فماكان من الصمصام إلا أن استل إحدى القنابل اليدوية الموجودة في حزامه ونزع الفتيل وألقاها إلى باحة الدكان الأمر الذي أسفر عن تمزيق جثة«قاسم» إلى أشلاء وتفحم جثتي امرأتين صادف وجودهما في الدكان في تلك اللحظات.
الموضوع : بسبب 20ريالاً..ارتكب مذبحة راح ضحيتها رجل وامرأتان المصدر : منتديات شمير الكاتب: انس احمد العاقل
توقيع العضو : انس احمد العاقل |