يحتفل العالم الإسلامي بعد يومين بذكرى مجيدة, لها في قلوب المسلمين مكانة عزيزة وسامية, ألا إنها ذكرى الاسراء والمعراج, فيها من الدروس والمواقف والعبر ما يجدد العقيدة ويرسخ اليقين والايمان, من هذه الدروس الخالدة انها تربط بين السماء والأرض من مكة الى القدس إلى سدرة المنتهى, يتجلى فيها السلام العالمي في الترحيب بالمصطفى صلى الله عليه وسلم في كل سماء وعلى لسان كل نبي ورسول , كما يتجلى فيها وحدة الأديان عندما صلى رسول الله إماما بالأنبياء جميعهم وبالرسل, تحية ومحبة ووفاقا بين كل الانبياء و المرسلين, أما هذا الذي نراه اليوم من تعصب للأديان وتعريض السلام العالمي للخطر والزوال, إنما هو بسبب المتاجرين بالاديان, إن الاسلام الذي يعد تعاليمه امتدادا للرسالات السابقة يؤكد المحبة والسلام ووحدة الأديان ويرحب بكل المساعي الصادقة لتحقيق ذلك. عموما هذه جولة سريعة حول ذكرى الاسراء والمعراج يعرف عند العلماء بأن الإسراء: الرحلة من المسجد الحرام بمكة الى المسجد الاقصى بالقدس, أما المعراج فهو الصعود الى السماوات السبع وما فوقها, وقد جاء حديث القرآن الكريم عن الاسراء في سورة الاسراء, وعن المعراج في سورة النجم, قال تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) (الاسراء /1) وقال تعالى: (أفتمارونه على ما يرى. ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى . اذ يغشى السدرة ما يغشى. ما زاغ البصر وما طغى. لقد رأى من آيات ربه الكبرى) (النجم/12). كانت رحلة الاسراء اختبارا جديدا للمسلمين في إيمانهم ويقينهم, وفرصة لمشاهدة النبي - صلى الله عليه وسلم - عجائب القدرة الإلهية, والوقوف على حقيقة المعاني الغيبية, والتشريف بمناجاة الله في موطن لم يصل اليه بشر قط, اضافة الى كونها سببا في تخفيف أحزانه وهمومه, وتجديد عزمه على مواصلة دعوته والتصدي لاذى قومه. لماذا كانت الرحلة للقدس? كانت الرحلة من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ثم الى السماوات العلا, وهنا نسأل لماذا لم تكن مباشرة من مكة الى السماوات? الاجابة على هذا السؤال يتطلب صفحات وصفحات, لكننا نوجز اسباب ذلك في النقاط الآتية: 1 - لما أهدر اليهود كرامة الوحي واسقطوا احكام السماء, حلت بهم لعنة الله, وتقرير تحويل النبوة عنهم الى الأبد , ومن ثم كان مجيء الرسالة الى محمد صلى الله عليه وسلم انتقالا بالقيادة الروحية في العالم, من أمة إلى أمة. ومن بلد الى بلد, ومن ذرية اسرائيل, الى ذرية اسماعيل. لكن إرادة الله مضت وحملت الأمة الجديدة رسالتها, وورث النبي العربي تعاليم ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب , وقام يكافح لنشرها وجمع الناس عليها فكان من وصل الحاضر بالماضي, وادماج الكل في حقيقة واحدة باعتبار المسجد الاقصى ثالث الحرمين في الإسلام, وأن ينتقل اليه الرسول في اسرائه. فيكون هذا الانتقال احتراما للايمان الذي درج - قديما - في رحابه, ثم يجمع الله المرسلين السابقين من حملة الهداية في هذه الأرض وما حولها ليستقبلوا صاحب الرسالة الخاتمة. ان النبوات يصدق بعضها بعضا, ويمهد السابق منها للاحق. وقد أخذ الله الميثاق على أنبياء بني اسرائيل بذلك. وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم تلؤمنن به ولتنصرنه قال أ أقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى قالوا: أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين). 2 - وفي السنة الصحيحة أن الرسول صلى باخوانه الأنبياء ركعتين في المسجد الاقصى فكانت هذه الإمامة اقرارا مبينا بأن الاسلام كلمة الله الاخيرة الى خلقه, اخذت تمامها على يد محمد بعد أن مهد لها العباد الصالحون من رسل الله الأولين. والكشف عن منزلة محمد صلى الله عليه وسلم ودينه, ليس مدحا يساق في حفل تكريم. بل هو بيان حقيقة مقررة في عالم الهداية, منذ تولت السماء ارشاد الأرض, ولكنه جاء في وقته المناسب. فإن جهاد الدعوة الذي حمله محمد صلى الله عليه وسلم على كواهله , عرضه لعواصف عاتية من البغضاء والافتراء . ومزق شمل اتباعه, فما ذاقوا - مذ آمنوا به -راحة الركون الى الأهل والمال. 3 - كأن الله يعلم ان الصراع حول هذه البقعة المباركة من الأرض سيدور رحاه في قابل الزمن, وأن كل أمة ستدعي احقيتها بملكية هذه الأرض وأحقيتها في الاستيلاء والسيطرة عليها, لأن نبيهم وطأ تلك الأرض بقدميه ونزل فيها, وبذلك يكون جزء من عقيدتهم وبنص من كتبهم. والتاريخ بأحداثه شاهد على ذلك: ألا ترى إلى توالي الحروب الصليبية تترا للعودة الى تلك الديار التي ... شهدت مولد المسيح? ألا ترى تدفق اليهود من كل حدب وصوب ليقيموا دولتهم حول هيكل سليمان? وهنا يحسم الله القضية بقوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده... الخ) إذن أليس لكل مسلم الحق في هذه البقعة المباركة? التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد, المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الاقصى). وإذا كان لهؤلاء في تلك الديار مقدسات يعظمونها ويحجون اليها, فإن الاسلام يحترمها, ويحافظ عليها, فإن الاسلام هو الدين الوحيد الذي تعيش في كنفه بقية الأديان دون اكراه ولا عصبية... وفي سلام تام. 4 - هكذا كان المسجد الاقصى حلقة الوصل بين السماء والأرض. وكان المكان الذي جمع الله فيه الأنبياء صفوفا مؤتمين بمحمد " صلى الله عليه وسلم". وإنما جعل الإمام ليؤتم به , وما صلى بهم إلا بإذن الله, فقد رضي الله أن يكون الاسلام مهيمنا على الدين كله والى الشرائع كلها. (ولا يؤم الرجل في بيته) فهو مسجده كما أن مسجد المدينة مسجده, وهو مسجد الأمة الاسلامية, كما أن المسجد الحرام مسجد الأمة الاسلامية. صلى بهم إماماص وفيهم ابراهيم جده, وما محمد إلا رسول أحيا الحنفية السمحة من موات, فبات هو الوريث الشرعي لها في عصر العلو الوثني. صلى بهم إماما وفيهم موسى كليم الله ... وفيهم عيسى روح الله وكل الانبياء والمرسلين. صلى بهم, ويأبى الله أن يصلي بهم غير ابن عبدالله صلى الله عليه وسلم. صلى بهم, ويأبى الله ان يكون المسجد الاقصى لغير هذه الأمة, أو يكون تحت سلطان غير هذه الملة. إكمال البناء الديني وفي قصة الاسراء والمعراج تلمح اواصر القربى بين الانبياء كافة, وهذا المعنى من اصول الاسلام... يقول الله تعالى في كتابه العزيز (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله. والتحيات المتبادلة بين النبي واخوته السابقين توثق هذه الآصرة. ففي كل سماء أحل الله فيها أحد رسله, كان النبي يستقبل فيها بهذه الكلمة: مرحبا بالأخ الصالح. والخلاف بين الأنبياء وهم صنعته الأمم الجائرة عن السبيل السوي, أو بالاحرى صنعة الكهان والمتاجرين بالأديان. أما محمد فقد أظهر انه مرسل لتكملة البناء الذي تعهده من سبقوه قال رسول الله (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له, ويقولون هل وضعت هذه اللبنة? فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبين). والأديان المعتمدة على الوحي السماوي معروفة, وليس منها - بداهة - ما اصطنعه الناس لأنفسهم من أوثان وطقوس وغيرها. ومن الممكن - لوخلصت النيات ونشد الحق - ان توضع اسس عادلة لوحدة دينية, تقوم على احترام المبادئ المشتركة, وابعاد الهوى عن استغلال الهدف والإسلام الذي يعد تعاليمه امتدادا للنبوات الاولى, ولبنة مضافة الى بنائها العتيد أول من يرحب بهذا الاتجاه ويزكيه. وكل عام وأنتم بخير. | ||
الموضوع : الإسراء والمعراج معجزة يتجلى فيها السلام العالمي ووحدة الأديان المصدر : منتديات شمير الكاتب: عيون الوطن
توقيع العضو : عيون الوطن |