[center]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد الشاكرين ، والصلاة والسلام على نبي الأولين والآخرين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد :
فهذا بحث مختصر كتبته فيما يتعلق بصلاة الكسوف ؛ تسهيلاً للناس في معرفة أمور دينهم ، وقد استفدت ممن كتب في هذا المضمار ، وبالله أستعين ، فأقول :
تعريفها : هو انحجاب ضوء أحد النيرين ( الشمس والقمر ) أو بعضه ، وتغيره إلى السواد .
فرَّق العلماء بين الكسوف والخسوف ، فمنهم من قال :
1-الكسوف للشمس ، والخسوف للقمر ، وهذا أشهر .
2-وقيل : بالكاف في الابتداء ، وبالخاء في الانتهاء .
3-وقيل : بالكاف لذهاب جميع الضوء ، وبالخاء بعضه .
4-وقيل : بالخاء لذهاب كل اللون ، وبالكاف لتغيره .
صفة صلاة الكسوف جاءت عن عدة من الصحابة ، فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس و عبدالله بن عمرو بن العاص و أبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة وأبي مسعود الأنصاري وعائشة وأسماء ، وفي البخاري من حديث أبي بكرة ، وفي مسلم من حديث جابر بن عبدالله و عبدالرحمن بن سمرة ، وخارج الصحيح جاء عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ، وقد أحصاهم الشيخ الألباني في كتابه ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الكسوف ) .
صلاة الكسوف والخسوف ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
* أما الكتاب ، فقد استنبطها العلماء من قوله تعالى : وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ .
* وأما السنَّة ، فقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة وغيرها مرفوعاً : " فإذا رأيتم منها شيئاً فصلُّوا " .
* وأما الإجماع ، فقد حكى مشروعيتها غير واحد من أهل العلم . انظر ( موسوعة الإجماع ) لسعدي أبوجيب (2/718).
كانت العرب تعتقد أنَّ كسوف الشمس أو القمر لموت عظيم أو لحياته ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاعتقاد بقوله : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته " متفق عليه من حديث عائشة .
وسبب الكسوف هو ما بيَّنهُ النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يخوف بهما عباده ، ففي صحيح البخاري من حديث أبي بكرة قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله تعالى يُخوِّف بهما عباده" .
* فائدة : سئل الشيخ ابن عثيمين عن سبب الكسوف ؟
فأجاب بقوله رحمه الله : (( الكسوف له سبب حسي ، وسبب شرعي ، فالسبب الحسي في كسوف الشمس أن القمريحول بينها وبين الأرض ، فيحجبها عن الأرض إما كلها أو بعضها ، وكسوف القمر سببه الحسي : حيلولة الأرض بينه وبين الشمس ؛ لأنه يستمد نوره من الشمس ، فإذا حالت الأرض بينه وبين الشمس ، ذهب نوره أو بعضه)) .اهـ (مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين) (16/ 287) .
* أما ابن العربي فقد رد هذا التعليل من سبعة أوجه ، منها :
أولاً : أنَّ الشمس أضعاف القمر في الجرمية ، فكيف يحجب الصغير ُالكبيرَ.
ثانياً : أنَّ الشمس إذا كانت تغطيه بنورها ، فكيف يحجب الصغيرُ الكبيرَ إذا قابلهُ ، ولا يأخذ عُشره .
ثالثاً : إذا كان نور القمر قليلاً ونور الشمس كثيراً ، فكيف يظلم الكثير بالقليل ؟ لاسيما وهو من جنسه أو من بعضه . وانظر بقية الردود في ( عارضة الأحوذي على سنن الترمذي ) (3/38-40).
والصحابة كانوا يعدُّون هذه الآيات بركة من الله ، فقد روى البخاري في صحيحه (3579) بسنده إلى عبدالله بن مسعود أنه قال : " كنا نعد الآيات بركة من الله ، وأنتم تَعُدُّونها تخويفاً ".
* وقد بوَّب ابن حبان في صحيحه ( 2843 ) على هذا الأثر: (( ذكر ما يجب على المرء أن يتبرك برؤية كسوف الشمس والقمر ، فيحدث لله توبة أو يقدم لنفسه طاعة)). اهـ
فوائد الكسوف :
قال بعضهم في الكسوف سبع فوائد:
إحداها: ظهور التصرف في الشمس والقمر ، وهما خلقان عظيمان.
الثانية: أن يبين بتغييرهما تغير شأن ما بعدهما.
الثالثة: إزعاج القلوب الساكنة بالغفلة وإيقاظها ، فإنَّ المواعظ شأنها ذلك.
الرابعة: ليرى الناس أنموذج ما سيجري في القيامة وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ .
الخامسة: أنهما يوجدان في حال الكمال ويَكسفان ، ثم يلطف بهما ، ويُعادان إلى ما كانا عليه ؛ تنبيهاً على خوف المكر ورجاء العفو.
السادسة: إعلام بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له ، فيحذر من له ذنب.
السابعة: أنَّ الناس قد أنسوا بالصلوات المكتوبات ، فيأتونها من غير إنزعاج ولا خوف ، فأتى بهذه الآية ، وسبب لهما هذه الصلاة ليفعلوها بانزعاج وتخوف ، ولعل بركة ذلك يصير ذلك عادة لهم في المفروضات اهـ ( غاية الأحكام ) للطبري (3/252-253) .
* الأعمال التي ينبغي فعلها وقت الكسوف *
أولاً : النداء .
يُستحب النداء لصلاة الكسوف والخسوف ، ويقال ( الصلاة جامعة ) مرتين أو ثلاثاً ، بحيث يُعلم أو يغلب على ظنه أن الناس قد سمعوا ، وفي الليل قد يكون الناس نائمين فيحتاجون إلى تكرار النداء .
ولها صيغتان :
الأولى : ( الصلاة جامعة ) ؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة في مسلم . الثانية : ( إنَّ الصلاة جامعة ) ؛ لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص في البخاري .
ولا يؤذن لصلاة الكسوف والخسوف ولا يُقام لها ، باتفاق العلماء . انظر ( موسوعة الإجماع ) لسعدي أبو جيب ( 2/718).
ذهب بعض أهل العلم أنه يُنادى للاستسقاء والعيدين ( الصلاة جامعة ) ، لكن هذا القول ليس بصحيح ، ولا يصح قياسهما على الكسوف ؛ لوجهين :
الأول : أنَّ الكسوف يقع بغتة.
الثاني : أنَّ الاستسقاء والعيدين لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ينادي لهما ، وكل شيء وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ، ففعله بدعة .
ثانياً : ما يُستحب فعله وقت الكسوف .
يُستحب وقت الكسوف :
1- الدعاء.
2- التكبير.
3- ا لتصدق.
4-الا ستغفار.
5- العتق ، إن كان عنده عَبيد .
6- التعوذ من عذاب القبر .
* لحديث أسماء في الصحيحين بلفظ : " فإذا رأيتم ذلك ، فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا"، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري بلفظ : " فإذا رأيتم شيئاً من ذلك ، فافزعوا إلى ذكر الله و دعائه واستغفاره " ، وفي صحيح البخاري من حديث أسماء قالت : " لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في الكسوف " ، وفي صحيح البخاري من حديث عائشة قالت: " ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر" .
ثالثاً : صلاة الكسوف .
الحكمة من صلاة الكسوف أمور ، منها :
1-امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقد أمرنا أن نفزع إلى الصلاة .
2-إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها .
3-التضرع إلى الله عزوجل ؛ لأنَّ الكسوف والخسوف يخوِّف الله بهما العباد من عقوبةٍ انعقدت أسبابها ، فيتضرع الناس لربهم عزوجل ؛ لئلا يقع بهم العقوبة التي أنذر الله الناس بها بواسطة الكسوف أو الخسوف .
وقتها :
* وقت صلاة الكسوف من ظهور الكسوف إلى حين زواله ؛ لحديث جابر في صحيح مسلم بلفظ : " فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى تنجلي " ، فجعل الانجلاء غاية للصلاة ؛ لأنها شُرعت رغبة إلى الله في رد نعمة الضوء ، فإذا حصل ذلك حصل المقصود.
* لا يُشرع لأهل بلد لم يقع عندهم الكسوف أن يصلوا ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علق الأمر بالصلاة وما ذكر معها ؛ برؤية الكسوف ، لا بالخبر من أهل الحساب بأنه سيقع ، ولا بوقوعه في بلد آخر .
* إذا قال الفلكيون : إنَّها ستكسف فلا نصلي حتى نرى الكسوف رؤية عادية ؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيتموه فادعوا الله وصلوا " متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة ، أما إذا مَنَّ الله علينا بأن صار لا يُرى في بلدنا إلا بمكبر أو نظارات فلا نصلي .
* إذا كسفت الشمس بعد العصر فتُصلى صلاة الكسوف ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتموه فادعوا الله وصلوا " ، وهذا يشمل كل وقت ، ولأن كل صلاة لها سبب فإنها تُصلى حيث وجد السبب ، كما دلت عليه السنة ، وكذلك إذا خسف القمر بعد صلاة الفجر فتُصلى صلاة الخسوف، إلا إذا لم يبقَ على طلوع الشمس إلا قليلاً ؛ لأنه قد ذهب سلطان القمر ، فحينئذ لا يُصلى .
* لا حرج على شخص دخل ووجد أناساً يصلون الكسوف أو الخسوف أن يخبرهم أنه انجلى ؛ لأن في ذلك إخباراً بزوال مقتضى الصلاة ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نصلي وندعوا حتى ينكشف ، فإذا أُخبروا بذلك فعليهم أن يتموا الصلاة ، لكن بتخفيف .
* تفوت صلاة كسوف الشمس بأحد أمرين :
1-انجلاء جميعها ، فإن انجلى بعضها جاز الشروع في الصلاة للباقي ، كما لو لم ينكسف إلا ذلك القدر .
2-غروبها كاسفة .
* وتفوت صلاة خسوف القمر بأحد أمرين :
1-الانجلاء الكامل .
2-طلوع الشمس ، وقيل : بغيابه وهو خاسف ، ولو حال سحاب وشكَّ في الانجلاء صلَّى ؛ لأن الأصل بقاء الكسوف .
حكمها :
* أكثر أهل العلم يقولون بالاستحباب ، بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك ، كالنووي في كتابيه ( المجموع ) و ( شرح صحيح مسلم ) ، وأيضاً ابن رشد في ( بداية المجتهد ) .
* والصحيح أن المسألة فيها خلاف ، فقد قال أبوحنيفة ومالك وغيرهما بوجوبها وهو الراجح ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " فإذا رأيتموهما فصلوا " متفق عليه من حديث أبي مسعود الأنصاري ، وقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة : " فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة" .
كيفيتها :
* لا خلاف بين أهل العلم في أن صلاة الكسوف ركعتان ، وإنما اختلفوا في كيفيتها على أقوال :
القول الأول: ركعتان ، في كل ركعة قيام واحد، وركوع واحد ، وسجدتان ، كسائر النوافل .
القول الثاني : ركعتان ، في كل ركعة قيامان ، وقراءتان ، وركوعان ، وسجدتان ، وبه قال الجمهور .
القول الثالث : ركعتان ، في كل ركعة ثلاث ركوعات .
القول الرابع : ركعتان ، في كل ركعة أربع ركوعات .
* وأصح الكيفيات أنها في كل ركعة ركوعان ، كما ذهب إليه الجمهور ؛ لتصريح الأحاديث الصحيحة بذلك ، وأما الكيفية الثانية – وهو القول الأول – فيستدلون لها بحديث أبي بكرة في صحيح البخاري : " خسفت الشمس على عهد رسول صلى الله عليه وسلم... فصلى بهم ركعتين " ، قالوا : مطلق الصلاة تنصرف إلى الصلاة المعهودة لاسيما أنها جاءت رواية في المصدر نفسه بلفظ : " كما تصلون " ، وقد رُدَّ عليهم : بأن ذكر الركعتين فيهما مطلق ، فيُقيَّد بالأحاديث الأخرى .
* وأما الكيفيات التي فيها الزيادة على الركوعين في الركعة ، فهي لا تصح ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإن هذا ضعفهُ حُذاق أهل العلم ، وقالوا : إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم ، وفي نفس الأحاديث التي فيها الصلاة بثلاث ركوعات وأربع ركوعات ؛ أنه إنما صلى ذلك يوم مات إبراهيم ، ومعلوم أن إبراهيم لم يمت مرتين ، و لا كان له إبراهيمان ، وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى الكسوف يومئذٍ ركوعين في كل ركعة " .اهـ مجموع الفتاوى( 18/ 17-18) .
* خلاصة صفة صلاة الكسوف :
1- أن يكبر، ويستفتح ، ويستعيذ ، ويقرأ الفاتحة ، ويقرأ نحواً من سورة البقرة .
2- يركع ركوعاً طويلاً .
3- يرفع من الركوع ، ويقول : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد .
4- لا يسجد ، بل يقرأ الفاتحة وسورة دون الأولى .
5- يركع مرة أخرى ركوعاً طويلاً ، هو دون الركوع الأول .
6- يرفع من الركوع ، ويقول : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد .
7- يسجد ثم يجلس ثم يسجد .
8- يقوم إلى الركعة الثانية ، ويفعل مثل ما فعل في الأولى .
هذه الصلاة بهذه الكيفية خاصة بصلاة الكسوف و الخسوف ، وبعض أهل العلم توسَّع ، وقال : يستحب الصلاة لكل آية أو فزع ، وبعضهم خصَّها بالزلزلة الدائمة ، والراجح خلافه .
مسائل في صفة صلاة الكسوف
المسألة الأولى : صلاة كسوف الشمس كصلاة خسوف القمر تماماً ، لا فرق بينهما ، والدليل على ذلك حديث عائشة في الصحيحين مرفوعاً : " إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك ؛ فادعوا الله ، وكبروا ، وصلوا ، وتصدقوا " .
المسألة الثانية : السُّنَّة أنْ يجهر بالقراءة في صلاته ليلاً و نهاراً ، وبه قال أحمد و إسحاق وصاحبا أبي حنيفة - خلافاً للجمهور فإنهم يقولون بالجهر ليلاً فقط - والدليل على ذلك :
1- حديث عائشة قالت : " جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته " رواه البخاري .
2- أنَّها نافلة شُرعت لها الجماعة ، فكان من سنتها الجهر كصلاة العيد والتراويح والاستسقاء .
* وأما الجمهور ، فاستدلوا بحديث ابن عباس في الصحيحين وفيه : " فقام صلى الله عليه وسلم قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة " .
وأُجيب عليه بأنه : جهر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع ابن عباس، أو سمع ولم يحفظ ما قرأ به ، فقدَّره بسورة البقرة .
تنبيه : وردت أحاديث أخرى استدلَّ بها الجمهور على القراءة سراً، كحديث عائشة : " حزرتُ قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت أنه قرأ في الركعة الأولى سورة البقرة ، وفي الثانية سورة آل عمران " ، حزرت : ظننتُ وخمنتُ ، وحديث سمرة قال : " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف ولم نسمع له صوتاً " ، وحديث : "صلاة النهارعجماء" .
* فكلُّ هذه الأحاديث التي ذكرت لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الشيخ الألباني في ( تمام المنَّة ) ص ( 263) : " وقد صحَّ أنه جهر بها كما في البخاري ، ولم يثبت ما يعارضه ، ولو ثبت لكان مرجوحاً " . اهـ
المسألة الثالثة : يُستحب إطالة القيام ؛ لحديث أسماء قالت : " فقمت معه فأطال القيام حتى رأيت أريد أن أجلس. ثم التفتُّ إلى المرأة الضعيفة ، فأقول : هذه أضعف مني ، فأقوم " رواه مسلم ، وفي رواية له : " فجعلتُ أنظر إلى المرأة أسنُّ مني ، وإلى الأخرى هي أسقم مني " .
* وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين عن التطويل في صلاة الكسوف ، إذا كان يشقُّ على الناس ؟
فأجاب : (( افعل السُّنَّة ، فمن قدر على المتابعة فليتابع ، ومن لم يقدر فليجلس ويكمل الصلاة جالساً ، وإذا لم يستطع ولا الجلوس كما لو حصر ببول أوغائط فلينصرف)) . اهـ ( مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ) ( 16 / 317 ) .
المسألة الرابعة : من أدرك الركوع الثاني في الركعة الأولى ؛ فاتهُ فيها قيام وقراءة وركوع ، وبناء عليه لا يكون قد جاء بركعة من ركعتي صلاة الكسوف ، فلا يعتد بهذه الركعة ، وعليه - بعد سلام الإمام - أن يأتي بركعة بركوعين ، على ما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم من حديث عائشة ، وليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ركعة من صلاة الكسوف بركوع واحد .
المسألة الخامسة : من كبر من الركوع الأول في الكسوف ، ولم يقل ( سمع الله لمن حمده ) فقد ترك واجباً ، وترك الواجب كما هو معلوم يوجب سجود السهو .
المسألة السادسة : صلاة الكسوف لا يشرع فيها قراءة سورة معينة ، بل المشروع فيها الإطالة .
المسألة السابعة : ليس لصلاة الكسوف دعاء خاص ، لكنها صلاة رهبة ودفع شر وبلاء ، فينبغي للإنسان أن يكثر فيها من الاستغفار والتوبة إلى الله عزوجل ، وسؤال الرحمة ، وكما يعلم من التطويل فيها ، فإن التطويل يحتاج إلى دعاء ، فيكرر الإنسان الدعاء من المغفرة والرحمة والعفو وما أشبه ذلك .
المسألة الثامنة : السُّنَّة تُصلى صلاة الكسوف جماعة ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم المنادي أن ينادي ( الصلاة جامعة ) .
المسألة التاسعة : لا بأس أن تصلي المرأة في بيتها ؛ لأنَّ الأمر عام : " فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة " ، وإن خرجت إلى المسجد ، كما فعل نساء الصحابة ، وصلَّت مع الناس كان في هذا خير .
المسألة العاشرة : ومن فاتته الصلاة مع الجماعة ، فليقضها على صفتها ، مادام الكسوف باقياً .
رابعاً : الخطبة .
يُستحب أن يخطب الإمامُ خطبة واحدة ، يذكِّر الناس ، ويرقق قلوبهم ، ويخوفهم من عذاب الله تعالى ، ويحثهم على التوبة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من صلاة الكسوف ، قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، ثم وعظ الناس ، وهذه صفات الخطبة .
* ومن أهل العلم من يقول : لا خطبة لصلاة الكسوف ؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد لها خطبة بخصوصها ، وإنما أراد أن يبيِّن لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس .
و تُعقب في ذلك : بما في الأحاديث من التصريح بالخطبة وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث ، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف ، والأصل مشروعية الإتباع ، والخصائص لا تثبت إلا بدليل .
والحمد لله ربِّ العلمين
وكتب
أبوعمار ياسر العدني
عدن - البريقة
نزيل : حضرموت - المكلا
الحمد لله حمد الشاكرين ، والصلاة والسلام على نبي الأولين والآخرين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد :
فهذا بحث مختصر كتبته فيما يتعلق بصلاة الكسوف ؛ تسهيلاً للناس في معرفة أمور دينهم ، وقد استفدت ممن كتب في هذا المضمار ، وبالله أستعين ، فأقول :
تعريفها : هو انحجاب ضوء أحد النيرين ( الشمس والقمر ) أو بعضه ، وتغيره إلى السواد .
فرَّق العلماء بين الكسوف والخسوف ، فمنهم من قال :
1-الكسوف للشمس ، والخسوف للقمر ، وهذا أشهر .
2-وقيل : بالكاف في الابتداء ، وبالخاء في الانتهاء .
3-وقيل : بالكاف لذهاب جميع الضوء ، وبالخاء بعضه .
4-وقيل : بالخاء لذهاب كل اللون ، وبالكاف لتغيره .
صفة صلاة الكسوف جاءت عن عدة من الصحابة ، فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس و عبدالله بن عمرو بن العاص و أبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة وأبي مسعود الأنصاري وعائشة وأسماء ، وفي البخاري من حديث أبي بكرة ، وفي مسلم من حديث جابر بن عبدالله و عبدالرحمن بن سمرة ، وخارج الصحيح جاء عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ، وقد أحصاهم الشيخ الألباني في كتابه ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الكسوف ) .
صلاة الكسوف والخسوف ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
* أما الكتاب ، فقد استنبطها العلماء من قوله تعالى : وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ .
* وأما السنَّة ، فقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة وغيرها مرفوعاً : " فإذا رأيتم منها شيئاً فصلُّوا " .
* وأما الإجماع ، فقد حكى مشروعيتها غير واحد من أهل العلم . انظر ( موسوعة الإجماع ) لسعدي أبوجيب (2/718).
كانت العرب تعتقد أنَّ كسوف الشمس أو القمر لموت عظيم أو لحياته ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاعتقاد بقوله : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته " متفق عليه من حديث عائشة .
وسبب الكسوف هو ما بيَّنهُ النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يخوف بهما عباده ، ففي صحيح البخاري من حديث أبي بكرة قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله تعالى يُخوِّف بهما عباده" .
* فائدة : سئل الشيخ ابن عثيمين عن سبب الكسوف ؟
فأجاب بقوله رحمه الله : (( الكسوف له سبب حسي ، وسبب شرعي ، فالسبب الحسي في كسوف الشمس أن القمريحول بينها وبين الأرض ، فيحجبها عن الأرض إما كلها أو بعضها ، وكسوف القمر سببه الحسي : حيلولة الأرض بينه وبين الشمس ؛ لأنه يستمد نوره من الشمس ، فإذا حالت الأرض بينه وبين الشمس ، ذهب نوره أو بعضه)) .اهـ (مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين) (16/ 287) .
* أما ابن العربي فقد رد هذا التعليل من سبعة أوجه ، منها :
أولاً : أنَّ الشمس أضعاف القمر في الجرمية ، فكيف يحجب الصغير ُالكبيرَ.
ثانياً : أنَّ الشمس إذا كانت تغطيه بنورها ، فكيف يحجب الصغيرُ الكبيرَ إذا قابلهُ ، ولا يأخذ عُشره .
ثالثاً : إذا كان نور القمر قليلاً ونور الشمس كثيراً ، فكيف يظلم الكثير بالقليل ؟ لاسيما وهو من جنسه أو من بعضه . وانظر بقية الردود في ( عارضة الأحوذي على سنن الترمذي ) (3/38-40).
والصحابة كانوا يعدُّون هذه الآيات بركة من الله ، فقد روى البخاري في صحيحه (3579) بسنده إلى عبدالله بن مسعود أنه قال : " كنا نعد الآيات بركة من الله ، وأنتم تَعُدُّونها تخويفاً ".
* وقد بوَّب ابن حبان في صحيحه ( 2843 ) على هذا الأثر: (( ذكر ما يجب على المرء أن يتبرك برؤية كسوف الشمس والقمر ، فيحدث لله توبة أو يقدم لنفسه طاعة)). اهـ
فوائد الكسوف :
قال بعضهم في الكسوف سبع فوائد:
إحداها: ظهور التصرف في الشمس والقمر ، وهما خلقان عظيمان.
الثانية: أن يبين بتغييرهما تغير شأن ما بعدهما.
الثالثة: إزعاج القلوب الساكنة بالغفلة وإيقاظها ، فإنَّ المواعظ شأنها ذلك.
الرابعة: ليرى الناس أنموذج ما سيجري في القيامة وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ .
الخامسة: أنهما يوجدان في حال الكمال ويَكسفان ، ثم يلطف بهما ، ويُعادان إلى ما كانا عليه ؛ تنبيهاً على خوف المكر ورجاء العفو.
السادسة: إعلام بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له ، فيحذر من له ذنب.
السابعة: أنَّ الناس قد أنسوا بالصلوات المكتوبات ، فيأتونها من غير إنزعاج ولا خوف ، فأتى بهذه الآية ، وسبب لهما هذه الصلاة ليفعلوها بانزعاج وتخوف ، ولعل بركة ذلك يصير ذلك عادة لهم في المفروضات اهـ ( غاية الأحكام ) للطبري (3/252-253) .
* الأعمال التي ينبغي فعلها وقت الكسوف *
أولاً : النداء .
يُستحب النداء لصلاة الكسوف والخسوف ، ويقال ( الصلاة جامعة ) مرتين أو ثلاثاً ، بحيث يُعلم أو يغلب على ظنه أن الناس قد سمعوا ، وفي الليل قد يكون الناس نائمين فيحتاجون إلى تكرار النداء .
ولها صيغتان :
الأولى : ( الصلاة جامعة ) ؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة في مسلم . الثانية : ( إنَّ الصلاة جامعة ) ؛ لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص في البخاري .
ولا يؤذن لصلاة الكسوف والخسوف ولا يُقام لها ، باتفاق العلماء . انظر ( موسوعة الإجماع ) لسعدي أبو جيب ( 2/718).
ذهب بعض أهل العلم أنه يُنادى للاستسقاء والعيدين ( الصلاة جامعة ) ، لكن هذا القول ليس بصحيح ، ولا يصح قياسهما على الكسوف ؛ لوجهين :
الأول : أنَّ الكسوف يقع بغتة.
الثاني : أنَّ الاستسقاء والعيدين لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ينادي لهما ، وكل شيء وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ، ففعله بدعة .
ثانياً : ما يُستحب فعله وقت الكسوف .
يُستحب وقت الكسوف :
1- الدعاء.
2- التكبير.
3- ا لتصدق.
4-الا ستغفار.
5- العتق ، إن كان عنده عَبيد .
6- التعوذ من عذاب القبر .
* لحديث أسماء في الصحيحين بلفظ : " فإذا رأيتم ذلك ، فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا"، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري بلفظ : " فإذا رأيتم شيئاً من ذلك ، فافزعوا إلى ذكر الله و دعائه واستغفاره " ، وفي صحيح البخاري من حديث أسماء قالت : " لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في الكسوف " ، وفي صحيح البخاري من حديث عائشة قالت: " ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر" .
ثالثاً : صلاة الكسوف .
الحكمة من صلاة الكسوف أمور ، منها :
1-امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقد أمرنا أن نفزع إلى الصلاة .
2-إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها .
3-التضرع إلى الله عزوجل ؛ لأنَّ الكسوف والخسوف يخوِّف الله بهما العباد من عقوبةٍ انعقدت أسبابها ، فيتضرع الناس لربهم عزوجل ؛ لئلا يقع بهم العقوبة التي أنذر الله الناس بها بواسطة الكسوف أو الخسوف .
وقتها :
* وقت صلاة الكسوف من ظهور الكسوف إلى حين زواله ؛ لحديث جابر في صحيح مسلم بلفظ : " فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى تنجلي " ، فجعل الانجلاء غاية للصلاة ؛ لأنها شُرعت رغبة إلى الله في رد نعمة الضوء ، فإذا حصل ذلك حصل المقصود.
* لا يُشرع لأهل بلد لم يقع عندهم الكسوف أن يصلوا ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علق الأمر بالصلاة وما ذكر معها ؛ برؤية الكسوف ، لا بالخبر من أهل الحساب بأنه سيقع ، ولا بوقوعه في بلد آخر .
* إذا قال الفلكيون : إنَّها ستكسف فلا نصلي حتى نرى الكسوف رؤية عادية ؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيتموه فادعوا الله وصلوا " متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة ، أما إذا مَنَّ الله علينا بأن صار لا يُرى في بلدنا إلا بمكبر أو نظارات فلا نصلي .
* إذا كسفت الشمس بعد العصر فتُصلى صلاة الكسوف ؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتموه فادعوا الله وصلوا " ، وهذا يشمل كل وقت ، ولأن كل صلاة لها سبب فإنها تُصلى حيث وجد السبب ، كما دلت عليه السنة ، وكذلك إذا خسف القمر بعد صلاة الفجر فتُصلى صلاة الخسوف، إلا إذا لم يبقَ على طلوع الشمس إلا قليلاً ؛ لأنه قد ذهب سلطان القمر ، فحينئذ لا يُصلى .
* لا حرج على شخص دخل ووجد أناساً يصلون الكسوف أو الخسوف أن يخبرهم أنه انجلى ؛ لأن في ذلك إخباراً بزوال مقتضى الصلاة ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نصلي وندعوا حتى ينكشف ، فإذا أُخبروا بذلك فعليهم أن يتموا الصلاة ، لكن بتخفيف .
* تفوت صلاة كسوف الشمس بأحد أمرين :
1-انجلاء جميعها ، فإن انجلى بعضها جاز الشروع في الصلاة للباقي ، كما لو لم ينكسف إلا ذلك القدر .
2-غروبها كاسفة .
* وتفوت صلاة خسوف القمر بأحد أمرين :
1-الانجلاء الكامل .
2-طلوع الشمس ، وقيل : بغيابه وهو خاسف ، ولو حال سحاب وشكَّ في الانجلاء صلَّى ؛ لأن الأصل بقاء الكسوف .
حكمها :
* أكثر أهل العلم يقولون بالاستحباب ، بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك ، كالنووي في كتابيه ( المجموع ) و ( شرح صحيح مسلم ) ، وأيضاً ابن رشد في ( بداية المجتهد ) .
* والصحيح أن المسألة فيها خلاف ، فقد قال أبوحنيفة ومالك وغيرهما بوجوبها وهو الراجح ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " فإذا رأيتموهما فصلوا " متفق عليه من حديث أبي مسعود الأنصاري ، وقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة : " فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة" .
كيفيتها :
* لا خلاف بين أهل العلم في أن صلاة الكسوف ركعتان ، وإنما اختلفوا في كيفيتها على أقوال :
القول الأول: ركعتان ، في كل ركعة قيام واحد، وركوع واحد ، وسجدتان ، كسائر النوافل .
القول الثاني : ركعتان ، في كل ركعة قيامان ، وقراءتان ، وركوعان ، وسجدتان ، وبه قال الجمهور .
القول الثالث : ركعتان ، في كل ركعة ثلاث ركوعات .
القول الرابع : ركعتان ، في كل ركعة أربع ركوعات .
* وأصح الكيفيات أنها في كل ركعة ركوعان ، كما ذهب إليه الجمهور ؛ لتصريح الأحاديث الصحيحة بذلك ، وأما الكيفية الثانية – وهو القول الأول – فيستدلون لها بحديث أبي بكرة في صحيح البخاري : " خسفت الشمس على عهد رسول صلى الله عليه وسلم... فصلى بهم ركعتين " ، قالوا : مطلق الصلاة تنصرف إلى الصلاة المعهودة لاسيما أنها جاءت رواية في المصدر نفسه بلفظ : " كما تصلون " ، وقد رُدَّ عليهم : بأن ذكر الركعتين فيهما مطلق ، فيُقيَّد بالأحاديث الأخرى .
* وأما الكيفيات التي فيها الزيادة على الركوعين في الركعة ، فهي لا تصح ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فإن هذا ضعفهُ حُذاق أهل العلم ، وقالوا : إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم ، وفي نفس الأحاديث التي فيها الصلاة بثلاث ركوعات وأربع ركوعات ؛ أنه إنما صلى ذلك يوم مات إبراهيم ، ومعلوم أن إبراهيم لم يمت مرتين ، و لا كان له إبراهيمان ، وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى الكسوف يومئذٍ ركوعين في كل ركعة " .اهـ مجموع الفتاوى( 18/ 17-18) .
* خلاصة صفة صلاة الكسوف :
1- أن يكبر، ويستفتح ، ويستعيذ ، ويقرأ الفاتحة ، ويقرأ نحواً من سورة البقرة .
2- يركع ركوعاً طويلاً .
3- يرفع من الركوع ، ويقول : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد .
4- لا يسجد ، بل يقرأ الفاتحة وسورة دون الأولى .
5- يركع مرة أخرى ركوعاً طويلاً ، هو دون الركوع الأول .
6- يرفع من الركوع ، ويقول : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد .
7- يسجد ثم يجلس ثم يسجد .
8- يقوم إلى الركعة الثانية ، ويفعل مثل ما فعل في الأولى .
هذه الصلاة بهذه الكيفية خاصة بصلاة الكسوف و الخسوف ، وبعض أهل العلم توسَّع ، وقال : يستحب الصلاة لكل آية أو فزع ، وبعضهم خصَّها بالزلزلة الدائمة ، والراجح خلافه .
مسائل في صفة صلاة الكسوف
المسألة الأولى : صلاة كسوف الشمس كصلاة خسوف القمر تماماً ، لا فرق بينهما ، والدليل على ذلك حديث عائشة في الصحيحين مرفوعاً : " إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك ؛ فادعوا الله ، وكبروا ، وصلوا ، وتصدقوا " .
المسألة الثانية : السُّنَّة أنْ يجهر بالقراءة في صلاته ليلاً و نهاراً ، وبه قال أحمد و إسحاق وصاحبا أبي حنيفة - خلافاً للجمهور فإنهم يقولون بالجهر ليلاً فقط - والدليل على ذلك :
1- حديث عائشة قالت : " جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته " رواه البخاري .
2- أنَّها نافلة شُرعت لها الجماعة ، فكان من سنتها الجهر كصلاة العيد والتراويح والاستسقاء .
* وأما الجمهور ، فاستدلوا بحديث ابن عباس في الصحيحين وفيه : " فقام صلى الله عليه وسلم قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة " .
وأُجيب عليه بأنه : جهر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع ابن عباس، أو سمع ولم يحفظ ما قرأ به ، فقدَّره بسورة البقرة .
تنبيه : وردت أحاديث أخرى استدلَّ بها الجمهور على القراءة سراً، كحديث عائشة : " حزرتُ قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت أنه قرأ في الركعة الأولى سورة البقرة ، وفي الثانية سورة آل عمران " ، حزرت : ظننتُ وخمنتُ ، وحديث سمرة قال : " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف ولم نسمع له صوتاً " ، وحديث : "صلاة النهارعجماء" .
* فكلُّ هذه الأحاديث التي ذكرت لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الشيخ الألباني في ( تمام المنَّة ) ص ( 263) : " وقد صحَّ أنه جهر بها كما في البخاري ، ولم يثبت ما يعارضه ، ولو ثبت لكان مرجوحاً " . اهـ
المسألة الثالثة : يُستحب إطالة القيام ؛ لحديث أسماء قالت : " فقمت معه فأطال القيام حتى رأيت أريد أن أجلس. ثم التفتُّ إلى المرأة الضعيفة ، فأقول : هذه أضعف مني ، فأقوم " رواه مسلم ، وفي رواية له : " فجعلتُ أنظر إلى المرأة أسنُّ مني ، وإلى الأخرى هي أسقم مني " .
* وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين عن التطويل في صلاة الكسوف ، إذا كان يشقُّ على الناس ؟
فأجاب : (( افعل السُّنَّة ، فمن قدر على المتابعة فليتابع ، ومن لم يقدر فليجلس ويكمل الصلاة جالساً ، وإذا لم يستطع ولا الجلوس كما لو حصر ببول أوغائط فلينصرف)) . اهـ ( مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ) ( 16 / 317 ) .
المسألة الرابعة : من أدرك الركوع الثاني في الركعة الأولى ؛ فاتهُ فيها قيام وقراءة وركوع ، وبناء عليه لا يكون قد جاء بركعة من ركعتي صلاة الكسوف ، فلا يعتد بهذه الركعة ، وعليه - بعد سلام الإمام - أن يأتي بركعة بركوعين ، على ما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم من حديث عائشة ، وليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ركعة من صلاة الكسوف بركوع واحد .
المسألة الخامسة : من كبر من الركوع الأول في الكسوف ، ولم يقل ( سمع الله لمن حمده ) فقد ترك واجباً ، وترك الواجب كما هو معلوم يوجب سجود السهو .
المسألة السادسة : صلاة الكسوف لا يشرع فيها قراءة سورة معينة ، بل المشروع فيها الإطالة .
المسألة السابعة : ليس لصلاة الكسوف دعاء خاص ، لكنها صلاة رهبة ودفع شر وبلاء ، فينبغي للإنسان أن يكثر فيها من الاستغفار والتوبة إلى الله عزوجل ، وسؤال الرحمة ، وكما يعلم من التطويل فيها ، فإن التطويل يحتاج إلى دعاء ، فيكرر الإنسان الدعاء من المغفرة والرحمة والعفو وما أشبه ذلك .
المسألة الثامنة : السُّنَّة تُصلى صلاة الكسوف جماعة ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم المنادي أن ينادي ( الصلاة جامعة ) .
المسألة التاسعة : لا بأس أن تصلي المرأة في بيتها ؛ لأنَّ الأمر عام : " فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة " ، وإن خرجت إلى المسجد ، كما فعل نساء الصحابة ، وصلَّت مع الناس كان في هذا خير .
المسألة العاشرة : ومن فاتته الصلاة مع الجماعة ، فليقضها على صفتها ، مادام الكسوف باقياً .
رابعاً : الخطبة .
يُستحب أن يخطب الإمامُ خطبة واحدة ، يذكِّر الناس ، ويرقق قلوبهم ، ويخوفهم من عذاب الله تعالى ، ويحثهم على التوبة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من صلاة الكسوف ، قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، ثم وعظ الناس ، وهذه صفات الخطبة .
* ومن أهل العلم من يقول : لا خطبة لصلاة الكسوف ؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد لها خطبة بخصوصها ، وإنما أراد أن يبيِّن لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس .
و تُعقب في ذلك : بما في الأحاديث من التصريح بالخطبة وحكاية شرائطها من الحمد والثناء والموعظة وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث ، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف ، والأصل مشروعية الإتباع ، والخصائص لا تثبت إلا بدليل .
والحمد لله ربِّ العلمين
وكتب
أبوعمار ياسر العدني
عدن - البريقة
نزيل : حضرموت - المكلا