ما اسمي يا أبي ؟؟ ( قصة قصيرة )
الإهداء / إلى روح ولدي البكر
همست بها في أذنه ذات أصيل، لا أظنه سمعها لأنه كان قد فتح فمه ولم يغلقه وأغمض عينيه ولم يفتحهما..
ثم أهلتُ عليه التراب وأنا أردد أنتي في الفضاء الرحب لأسمع الشمس قبل أن تغرب.
* * *
أمسيت أباً ذات مساء.. وجدتُ الأبوة روضة من رياض الجنة، تفيأت ظلالها يوماً كاملاً، خلاله أمطرت السماء على قلبي قطرات عطف ورحمة، فاخضرَّتْ خلالها ساحات صدري، اعشوشب قلبي، نفحته نسمات أنفاس ولدي، الذي لمّا اسمَّيه، فانطفأتْ روحه كالسراج، وتلبدت بانطفائه سحب الحزن فوق سماء الدار التي عشعش فيها الظلام.
فتح فمه يسألني ( ما اسمي يا أبي ؟ ) لم أجبه، كنت ما أزال أفكر ماذا سأسميه؟ ظللت أبحث له عن اسم يُخلَّد به، يرسم فيه على شفتيه بسمة واسعة كالأفق.. اسم تنبثق من بين ثناياه معنى الحب الأبدي.
( ما اسمي يا أبي ؟ ) رددها، ورددها.. كنتُ لحظتها على بساط من الأحلام، أجوب فضاء الأزمنة وجبال الأمكنة عند منتهى أحلامي التي لم تبرح مكانها.
امتزجت الأزمنة، فوجدته قد نمى بين يدي فجأة، تخطى الحبو على ركبتيه.. قدماه لم تعد ترتعشان في مراحل خطوه الأولى. كان يستند إلى نظراتي المفعمة بالحب والتشجيع، وتصفيقات أمه، فوصل إلى الطرف الآخر من الصالة دون أن يسقط على الأرض.
كررها مراراً، وعندما قويت قدماه، أحسست به يقف أمامي على مشط قدميه ليهمس في أذني مناغياً ( ما اسمي يا أبي ؟).
* * *
في لمحة بصر وجدته عائداً من مدرسته يحمل أولى شهادات نجاحه. إنها أول ( نيشن ) فخر أضعه على صدري، أعظم حجر كريم يرصّع تاج الأبوة الذي وضعته فوق رأسي. طلب مني أن أدون ملاحظاتي عليها، وجدتُ مربع اسمه فارغاً، تأملت ذلك الفراغ طويلاً، وعيناه مصوبتان نحوي راجيتان، وفي طياتهما مرق سؤال كالشهاب . ( ما اسمي يا أبي ؟).
* * *
وقبل أن يرتد إلي طرفي وجدته أكثر شفافية من الضوء وهو يطرق باب الرجولة، ينشر ضوءه في مجالس الرجال، يحادثهم، يستمع إليهم، يبدي رأيه، يطرحه على مسامعهم كما يطرح الضباب قطرات الندى على أذان الورود والأزهار.
رأيت في عينيه البحر، كانتا عميقتان غامضتان، تخفيان في طياتهما أسراراً وخفايا، والسر الأكبر يطفو على السطح فأكاد أراه، أسمع صداه ( ما اسمي يا أبي ؟ )
* * *
فجأة انتشرت الشعرات البيضاء على أطراف لحيتي كالنجوم، أطربت مسمعي أصوات الأغاني والدفوف في يوم زفافه، أعادتني إلى ذكرى الأيام الأولى وأمانيَّ تتصاعد مزدانة بالفرح الممزوج بالخجل.
كانت الفرحة والسعادة قد امتزجتا بكل جزء فيه إلا سؤاله الذي أصبح جزء كبيراً ( ما اسمي يا أبي ).
* * *
ثم هاهو يحمل وليده بين يديه، يؤذن في أذنيه، ثم يمتشق فرس الخيال كفارس، يجوب به أطراف مملكة الأحلام، وطفله بين يديه يفتح فمه ويغلقه على (ما اسمي يا أبي ؟)
* * *
كل ذلك كان غيمة رقيقة عبرت خيالي ليوم واحد، لكن برقها أصابني في كبدي.
فرفعت راسي إلى السماء وهتفت :
- اسمك عبد الله يا بني !! اسمك عبد الله ..
تردد صدى صوتي في الفضاء الرحب، لحظتها كانت الشمس قد غربت حاملة معها بقايا النهار.
الإهداء / إلى روح ولدي البكر
همست بها في أذنه ذات أصيل، لا أظنه سمعها لأنه كان قد فتح فمه ولم يغلقه وأغمض عينيه ولم يفتحهما..
ثم أهلتُ عليه التراب وأنا أردد أنتي في الفضاء الرحب لأسمع الشمس قبل أن تغرب.
* * *
أمسيت أباً ذات مساء.. وجدتُ الأبوة روضة من رياض الجنة، تفيأت ظلالها يوماً كاملاً، خلاله أمطرت السماء على قلبي قطرات عطف ورحمة، فاخضرَّتْ خلالها ساحات صدري، اعشوشب قلبي، نفحته نسمات أنفاس ولدي، الذي لمّا اسمَّيه، فانطفأتْ روحه كالسراج، وتلبدت بانطفائه سحب الحزن فوق سماء الدار التي عشعش فيها الظلام.
فتح فمه يسألني ( ما اسمي يا أبي ؟ ) لم أجبه، كنت ما أزال أفكر ماذا سأسميه؟ ظللت أبحث له عن اسم يُخلَّد به، يرسم فيه على شفتيه بسمة واسعة كالأفق.. اسم تنبثق من بين ثناياه معنى الحب الأبدي.
( ما اسمي يا أبي ؟ ) رددها، ورددها.. كنتُ لحظتها على بساط من الأحلام، أجوب فضاء الأزمنة وجبال الأمكنة عند منتهى أحلامي التي لم تبرح مكانها.
امتزجت الأزمنة، فوجدته قد نمى بين يدي فجأة، تخطى الحبو على ركبتيه.. قدماه لم تعد ترتعشان في مراحل خطوه الأولى. كان يستند إلى نظراتي المفعمة بالحب والتشجيع، وتصفيقات أمه، فوصل إلى الطرف الآخر من الصالة دون أن يسقط على الأرض.
كررها مراراً، وعندما قويت قدماه، أحسست به يقف أمامي على مشط قدميه ليهمس في أذني مناغياً ( ما اسمي يا أبي ؟).
* * *
في لمحة بصر وجدته عائداً من مدرسته يحمل أولى شهادات نجاحه. إنها أول ( نيشن ) فخر أضعه على صدري، أعظم حجر كريم يرصّع تاج الأبوة الذي وضعته فوق رأسي. طلب مني أن أدون ملاحظاتي عليها، وجدتُ مربع اسمه فارغاً، تأملت ذلك الفراغ طويلاً، وعيناه مصوبتان نحوي راجيتان، وفي طياتهما مرق سؤال كالشهاب . ( ما اسمي يا أبي ؟).
* * *
وقبل أن يرتد إلي طرفي وجدته أكثر شفافية من الضوء وهو يطرق باب الرجولة، ينشر ضوءه في مجالس الرجال، يحادثهم، يستمع إليهم، يبدي رأيه، يطرحه على مسامعهم كما يطرح الضباب قطرات الندى على أذان الورود والأزهار.
رأيت في عينيه البحر، كانتا عميقتان غامضتان، تخفيان في طياتهما أسراراً وخفايا، والسر الأكبر يطفو على السطح فأكاد أراه، أسمع صداه ( ما اسمي يا أبي ؟ )
* * *
فجأة انتشرت الشعرات البيضاء على أطراف لحيتي كالنجوم، أطربت مسمعي أصوات الأغاني والدفوف في يوم زفافه، أعادتني إلى ذكرى الأيام الأولى وأمانيَّ تتصاعد مزدانة بالفرح الممزوج بالخجل.
كانت الفرحة والسعادة قد امتزجتا بكل جزء فيه إلا سؤاله الذي أصبح جزء كبيراً ( ما اسمي يا أبي ).
* * *
ثم هاهو يحمل وليده بين يديه، يؤذن في أذنيه، ثم يمتشق فرس الخيال كفارس، يجوب به أطراف مملكة الأحلام، وطفله بين يديه يفتح فمه ويغلقه على (ما اسمي يا أبي ؟)
* * *
كل ذلك كان غيمة رقيقة عبرت خيالي ليوم واحد، لكن برقها أصابني في كبدي.
فرفعت راسي إلى السماء وهتفت :
- اسمك عبد الله يا بني !! اسمك عبد الله ..
تردد صدى صوتي في الفضاء الرحب، لحظتها كانت الشمس قد غربت حاملة معها بقايا النهار.
الموضوع : ما اسمي يا أبي ؟؟ ( قصة قصيرة ) المصدر : منتديات شمير الكاتب: نبيل فايد الشميري
توقيع العضو : نبيل فايد الشميري |