في ذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
10/12/2010
دروس مستفادة ومواقف إيمانية خالدة يتجدد عطاؤها منذ 1432 سنة
لم تكن الهجرة مجرد رغبة أو هروب لكنها كانت نقلة ستراتيجية خطط لها النبي بإذن من الله تعالى
رسول الله يعلمنا الدروس والسنة الشريفة ولذلك حرص على توجيهنا بقوله "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"
يحتفل المسلمون في كل مكان بذكرى مجيدة وخالدة وعزيزة, الا وهي ذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم, نعم انها ذكرى خالدة بكل المقاييس, ذلك لانها تتجدد في كل عام منذ 1432 سنة بكل احداثها ووقائعها الدقيقة وتفاصيلها الكاملة, وبذلك تكون فرصة سانحة يشاؤها العلم الحكيم للاجيال المتعاقبة ان ياخذوا من دروسها المستفادة ما يثبت اليقين وينير لهم طريق الهداية والرشاد.
وبهذه المناسبة الطيبة المباركة يسرنا ان نذكر هنا حديثا قيما للاستاذ الدكتور محمد عبده يماني ¯ وزير الاعلام السعودي السابق ¯ الذي وافته المنية الشهر الماضي اثر ازمة قلبية ¯ طيب الله ثراه واسكنه فسيح جناته, فقد كان رحمه الله علما من اعلام الفكر الاسلامي المستنير ورجلا من اشهر الرجال الذين قدموا للاسلام الكثير والكثير.
ولا يسعنا في هذه الكلمات الموجزة السريعة الا ان نذكره بكل خير, فقد افاد واثرى جريدة »السياسة« بمقالاته الاسلامية القيمة وكتبه وابحاثه ومؤلفاته التي تزيد على 35 مؤلفا بالعربية والانكليزية رحم الله فقيد الامة الاسلامية رحمة واسعة... وفيما يلي لقطات مما جاء في احدى مقالاته عن ذكرى الهجرة المجيد.. يقول رحمة الله عليه:
شاء الله ان تكون الهجرة النبوية هي الحدث الثاني المهم بعد البعثة النبوية الكريمة ونزول القرآن الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, ومن ينظر بعمق في خطوات الهجرة النبوية وترتيباتها يلاحظ انها لم تتم بصورة عفوية ولا بتحرك عشوائي او مجرد رغبة في الخروج او الهروب من مكة المكرمة, ولكنها كانت نقلة ستراتيجية مهمة حرص فيها رسول الله, صلى الله عليه وسلم, على حماية الدعوة بعد ان اشتد الضغط عليه في مكة المكرمة, وازداد عناد قريش وظلمها وقسوتها عليه وعلى اتباعه رضوان الله عليهم, حتى امعنت فيهم تعذيبا وظلما من دون وجه حق, فكان لا بد من الانتقال الى مكان آمن آخر يسمح للدعوة بأن تتنفس الصعداء, فجاء امر الله عز وجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان الاذن بالهجرة, ولكن المتتبع لمراحل الهجرة النبوية يلاحظ ان النبي, صلى الله عليه وسلم, احاطها بسرية كاملة, حرص فيها على ألا يعلم احد بموعد الهجرة ولا طريقها, ولا وجهتها, واخفى كل ذلك حتى عن اقرب المقربين له سيدنا ابي بكر الصديق, رضي الله عنه, الرجل الذي وقف معه وآمن به وآزره, وأحبه حبا عظيما. وكان هذا الصحابي الجليل اول من آمن من الرجال برسول الله, صلى الله عليه وسلم, وبدعوته, ومع ذلك اخفى النبي, صلى الله عليه وسلم, خطة الهجرة وخطواتها عنه وعن الجميع, وهو بهذا يعلم الأمة كيف يتصرف القائد عندما يتصدى لحدث مهم, او ينتقل الى مرحلة أخرى, وكأننا به يعلمنا ويعلم الأمة: »استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان«, فأحاط ترتيبات الهجرة بسرية تامة, وعندما بدأ يتحدث الى ابي بكر الصديق, رضي الله عنه, في المرحلة الأخيرة, انما كان يوجهه حتى يعد لوازم الرحلة وأدواتها من رفيق خبير بالطريق, وراحلة تنقل النبي, وأخرى تنقله ثم اخبره في آخر الأمر بموعد الرحلة وطريقها, وأنها كانت الى المدينة المنورة بإذن الله وأمره.
مواقف إيمانية
هناك قضية اساسية يجب ان نلفت النظر اليها ونتدبرها, وهي ان عمل رسول الله, صلى الله عليه وسلم, كان عن قوة إيمان وثقة في الله عز وجل, قبل ان تكون المسألة مسألة عدد وعدة, فقد كان اتباعه قلة وضعافا ولكنهم أقوياء بإيمانهم بالله, وصبروا على كل الأذى الذي احاط بهم وفي نهاية الأمر كان الحق احق ان يتبع, لأن تلك سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه, فكان وقوف هذه القلة المؤمنة وصبرها واحتسابها وصمودها درسا قويا لكل الاجيال القادمة, كان الواحد منهم كالطود الشامخ لأنه مؤمن بنصر الله عز وجل, ومؤمن بالمبادئ التي يدافع عنها, وقد خسر المشركون وباءت جهودهم بالفشل, ولم يستطيعوا أن يطفئوا نور الله عز وجل, فقد ابى الله الا ان يتم نوره ولو كره المشركون, وهذه المواقف الايمانية تذكرنا بموقف أمنا هاجر وأمنا خديجة.
ومن ينظر في قصة الهجرة وترتيباتها, يحس بأبعاد ذلك التخطيط الدقيق الذي سبقه التوكل والعزيمة والامتثال لأمر الله عز وجل ثم تلاه الأخذ بالأسباب, فهذا أبو بكر الصديق يتشوق للهجرة مع رسول الله, صلى الله عليه وسلم, ولكن الرسول, صلى الله عليه وسلم, يدعوه إلى التريث حتى جاءت اللحظة الحاسمة التي أدرك فيها أبو بكر الصديق, أن الوقت قد حان وأن الصحبة حاصلة وأن الهجرة قد أذن بها الله عز وجل.
هذه اذا ملامح من الهجرة النبوية توضح الصمود والصبر والرغبة فيما عند الله عز وجل ولكنها في الوقت نفسه توضح لنا أن الهجرة النبوية لم تكن قضية مفاجأة ولا أمرا عفويا, بل كان فيها الإعداد والتنظيم والتخطيط الذي سبقه التمهيد لهذه الهجرة سواء بعقد بيعة العقبة الأولى أو الثانية أو الثالثة يوم كان ينتهز رسول الله, صلى الله عليه وسلم, مواسم الحج فيلتقي بأهل يثرب ويدعوهم ويهيئهم.
هكذا مهد رسول الله, صلى الله عليه وسلم, لهذه الهجرة ثم خطط لها لخداع المشركين يوم طلب من سيدنا علي بن أبي طالب البطل المغوار أن ينام في فراشه, فهذه التنظيمات من كتمان تام لخبر الهجرة, واختيار ملائم للتوقيت والخروج في وقت الهزيع الأخير من الليل وسلوكه طريقا غير الطريق الذي تألفه قريش, كل هذه الأمور تعلم الأمة أهمية التخطيط في حياتها وأهمية التنظيم وأهمية الشورى وأهمية التعاون, ثم العزم والتوكل على الله والصمود في سبيل مرضاة الله عز وجل مهما كانت الصعاب ومهما كانت الكوارث ومهما كانت التحديات.
إنه رسول الله, صلى الله عليه وسلم, يعلمنا الدروس والسنة الشريفة ولذلك فقد حرص عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح أن يؤكد على قضية مهمة: »عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي«, لأنه القدوة ولأنه الأسوة ولأن هؤلاء الرجال أخذوا عنه.
دروس مستفادة
وانه لأمر مهم ان نستغل المناسبات الاسلامية المهمة لتذكير النشء والاسرة والمجتمع بأهمية مثل هذه الايام التي هي ايام الله عز وجل. والهجرة النبوية واقعة حقيقية وقضية أساسية في حياة هذه الأمة, ولهذا فمن المناسب الوقوف عندها دائما, وان نحكي لأولادنا احداثها ووقائعها, ولكن المهم هو ان نقف عند هذا الحدث التاريخي ونتعلم منه قضايا أساسية أهمها تلك اللمحات المشرقة في حياة رسول الله, صلى الله عليه وسلم, الذي لم يهاجر حتى اذن له الله سبحانه وتعالى بالهجرة وصمد وكافح وصبر على كل ألوان الأذى والبلاء والرزايا في مكة المكرمة, ومن أهله وذويه, ثم من أهل الطائف من أعراب وغيرهم, كل ذلك يعطينا درسا في أبعاد هذه الهجرة وذلك لأن رسول الله, صلى الله عليه وسلم, صمد وكافح وصبر امتثالا لأمر الله عز وجل, والله سبحانه وتعالى قدم لنا في حبيبه, صلى الله عليه وسلم, القدوة والأسوة لكل من يريد ان يتصدى للدعوة الإسلامية ويدعو الى الله بصدق وإخلاص وبحكمة وموعظة حسنة فلا بد ان يصبر ويتحمل الأذى في سبيل ذلك, كما تحمل الرسول, صلى الله عليه وسلم, من اقرب المقربين له وممن حوله, ومن أهله وذويه, وكان من الممكن ان يجنبه الله عز وجل كل هذه البلايا, ولكن إرادة الله سبحانه وتعالى سابقة جعلت فيه القدوة والأسوة لهذه الأمة.
وختاما فهذه لقطات من جوانب الهجرة النبوية التي نتعلم منها كل يوم دروسا جديدة من رسول الله, صلى الله عليه وسلم, فهو القدوة وهو الأسوة لهذه الأمة, وعلينا ان نتعلم ونعلم اولادنا جوانب من السيرة العطرة ونربيهم عليها.
والله الموفق وهو الهادي الى سواء السبيل.
الموضوع : في ذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم المصدر : منتديات شمير الكاتب: حسن البكري
توقيع العضو : حسن البكري |