ماذا لو أغمضت عينيك
يحكى أن رجلاً ترك زوجته وأولاده قاصداً أرض معركة تدور رحاها على أطراف البلاد، وبعد انتهاء الحرب، وأثناء طريق العودة، أُخبر الرجل بأن زوجته مرضت بالجدري في غيابه، فتشوه وجهها كثيراً جراء ذلك، وقد كانت في غاية الحسن والبهاء، تلقى الرجل الخبر بصمت وحزن، وفي يوم عودته جلس ليلاً مع عائلته، وتحت ضغط التعب والإعياء استأذن في الذهاب مبكراً للنوم، وحين استيقظ قال لأهله إنه لم يعد يرى شيئاً، لأنه أصيب بالعمى !
أكمل الرجل حياته مع زوجته وأبنائه مغمض العينين، مكتفياً بالتنقل في أماكن محدودة وبمساعدة أصدقائه أو أحد أبنائه، هكذا عاش وبشكل طبيعي جداً لمدة خمسة عشر عاماً حتى جاء يوم فارقت فيه زوجته الحياة، ويومها فوجئ كل من حوله بأنه عاد مبصراً وبشكل طبيعي أيضاً، عندها أدركوا أنه أغمض عينيه خمسة عشر عاماً كي لا يجرح مشاعر زوجته عند رؤيته لها!
تلك الإغماضة لم تكن من أجل الاحتفاظ بصورة جميلة لزوجته، وبالتالي تثبيتها في الذاكرة والإتكاء عليها كلما لزم الأمر، لكنها كانت لما هو أبعد وأكثر عمقاً، كانت تضحية كبيرة من أجل ما هو أكبر، من أجل الزوجة التي قاسمته الحياة ومنحته السعادة في كل أيامه التي سبقت تشوهها، ألا تستحق تلك العشرة شيئا من الرحمة من جانبه ؟ لذلك ومن أجل المحافظة على البيت والعائلة والزوجة والحاضر والمستقبل، ولاستمرار الأسرة وسعادة الأبناء رأى الرجل أن عليه أن يغمض عينيه ويمضي في الحياة وكأن شيئا لم يكن، فربما لو ظل مبصراً يرى وجه زوجته المشوه فيداخله شيء من الضعف فيذهب إلى امرأة أخرى تمنحه ما فقدته زوجته، فتشقى الزوجة ويتشتت شمل الأبناء، وتتبعثر العائلة.
أحياناً كثيرة نحتاج لأن نغمض أعيننا عن عيوب يمكن العبور عليها، كبوابة لما هو أهم وأجمل، فمن منا بلا عيوب، ومن منا بلا تشوهات، ومن منا لا يحتاج الزوج أو الرفيق والصديق الذي يقبله على ضعفه غاضاً الطرف عن الظاهر والعابر والصغير والخفي من العيوب والنقائص ؟ ماراً فوق نقاط الضعف إلى حيث يسكن الجمال الحقيقي في الداخل، فكم جميل افتقد ألق الروح وتوهج العطاء ، وكم إغماضة عن زلات وعيوب عابرة قادت إلى سعادة وإلى علاقات في غاية السلام والبهاء!
ربما تكون هذه الحكاية من النوادر، أو حتى من محض الخيال، وهي حكاية رمزية في ظني الخاص، لكننا نحتاج إلى شيء من النوادر والخيال والرمزية في حياتنا لإشعال ذاكرة العطاء وإنعاش القلب، فالصديق لا يفصّله القدر على مقاس أمزجتنا، ولا يهبنا الله أياه كما نريد، وكذلك الجار والابن والزميل والحبيب•• هؤلاء هم عشب الروح، ومن الحكمة ألا ننبش بين الأعشاب، بل نستمتع ببهاء الخضرة ورائحة الطبيعة، هؤلاء يحتاجون -كما نحتاج نحن- لمن يحبهم ويقبلهم بما هم عليه، لا كما يريدهم الآخرون أن يكونوا
تحياتي العطرة لكم جميعا
.
الموضوع : ماذا لو أغمضت عينيك لكي لا تجرح شعور من تحب المصدر : منتديات شمير الكاتب: حسن البكري
توقيع العضو : حسن البكري |